هل ساهم تطور العقل الإنساني في رفع الظلم عن المرأة والاعتراف بإنسانيتها؟
كي نجيب عن هذا السؤال بطريقة شافية، سنلقي نظرة سريعة على وضع المرأة في الحضارة الإغريقية القديمة، وهي حضارة اشتهرت بأنها مهد الفلسفة ونصيرة العقل ومنبع الديموقراطية، وسنرى ما إذا كان غياب الجهل كفيلاً برفع الظلم عن المرأة.
هناك نموذجان لصورة المرأة في الحضارة الإغريقية، الأول يرتبط بمدينة «أثينا»، والثاني يتعلق بمدينة «سبارتا»، والمدينتان هما أشهر المدن الإغريقية في القرون الأولى قبل المسيح. لو نظرنا إلى «أثينا»، مثلاً، نجد أن نظام الحكم فيها ديموقراطي خاضع لإرادة الأغلبية، لكن الأغلبية لم تكن في حقيقة الأمر سوى أقلية في المجتمع الأثيني، فحق التصويت اقتصر على الذكور الأحرار البالغين، أي أنه استثنى من حق التصويت النساء والعبيد والأطفال. في ظل حكم ديموقراطي لا يحترم مفهوم الفردية ولا يعترف إلا بإرادة الأغلبية، كما هو الوضع في أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد، أصبح الرجل في خدمة الدولة، والمرأة في خدمة الرجل، ذلك أن أهم واجبات المرأة الأثينية هو إنجاب مواطنين صالحين قادرين على خدمة الدولة!
لم يقتصر الأمر على سلب المرأة حقها في التصويت، بل تم حرمانها من حق التعليم، لأن خصوبة العقل من حق الرجل، وخصوبة الجسد من حق المرأة، فالرجل يلد الأفكار، والمرأة تلد الأطفال! (انظر «سيمبوسيوم»، ضمن حوارات أفلاطون). مهام المرأة، إذن، تنحصر في البقاء في البيت والمحافظة على شؤون الأسرة والإنجاب، ذلك أن «الحرب والسياسة والشأن العام من اختصاص الرجل»، وأما «المرأة الحرة فينبغي حبسها داخل أسوار البيت»، لأن من واجباتها «الحفاظ على الأسرة وتلبية رغبات زوجها»، كما يقول «ميناندروس»، أحد أشهر كتّاب الكوميديا الجديدة في المسرح الإغريقي. لقد حبس رجال أثينا نساءهم في البيوت بعيداً عن الأنظار، واستنكفوا من مشاطرتهنّ مائدة الطعام، وأجبروهنّ على ارتداء لباس يغطي أجسادهن كليّا عند الخروج إلى الشارع في حالات الضرورة!
بشكل عام، يرجع السبب في انعدام ثقة الرجل في المرأة إلى حقيقة أن الرجل لا يجد في المرأة سوى موضوعاً للشهوة، ذلك أنه من المستحيل أن يثق الرجل في امرأة لا يرى فيها سوى مصدر للذة (لاحظ أن الشك واللذة يدوران حول فلك الجنس تحديداً). لهذا السبب، لم تكن المرأة أهلاً للثقة في عيون رجال أثينا، لأنهم لم يروا فيها كائنا مستقلا بذاته، بل حيواناً مغرياً لا يقاوَم! لتفادي خطر هذا الحيوان المثير للغرائز، سنّت الدولة في أثينا قوانين صارمة تضمن الفصل بين الجنسين فصلاً تاماً، فليس هناك أخطر من هذا الكائن الغريب الذي يثير اللذة والشك معاً! لقد تمت مع الأسف معاقبة المرأة بدلاً من معالجة القلوب المريضة والنفوس الوضيعة والعقول العقيمة!
إذا كان دور المرأة في أثينا يقتصر على إنجاب مواطنين صالحين، فإن مهمة المرأة في مدينة سبارتا تنحصر في إنجاب جنود أكفاء يذودون عن حياض الوطن. لم يفرّق أهل سبارتا بين الرجل والمرأة، فكلاهما في خدمة الدولة، وبينما اقتصرت مؤسسة الزواج على إنجاب الأطفال، فإن رعاية هؤلاء الأطفال وتربيتهم كانت من اختصاص الدولة، ولم يعرف التاريخ القديم دولة اهتمت بالتربية البدنية الشاقة أكثر من دولة سبارتا. عندما نقرأ كتاب الجمهورية لأفلاطون ونتعرف على آرائه الصارمة حول كيفية تربية الأطفال، فإننا نتلمس أثر الفلسفة التربوية لأهل سبارتا على أفكار أفلاطون. أما أرسطو فلم يختلف عن أهل سبارتا من خلال إصراره على ضرورة الزواج، بل إنه حدد العمر الأنسب للزواج لدى الرجال بسن السابعة والثلاثين، ولدى النساء سن الثامنة عشرة (انظر «السياسة» لأرسطو، الكتاب السابع، الفصل السادس عشر). لم يكن الزواج شأناً خاصاً بين الرجل والمرأة، بل شأنا عاماً بين المواطن والدولة! لقد سخّر أهل سبارتا قوانين الدولة لضمان تأمين أكبر عدد من الجنود الأقوياء، ولبلوغ هذا الهدف، تحولت المرأة إلى آلة تفريخ تنجب الأبطال الشجعان، وأصبحت أعظم بشرى في حياة أي أم في مدينة سبارتا هي نبأ استشهاد أحد أبنائها في ساحة المعركة!
قدمت إلى القارئ نموذجين لصورة المرأة في الحضارة الإغريقية القديمة: النموذج الأول جعل المرأة في خدمة الرجل، والنموذج الثاني جعلها في خدمة الدولة، أي أن المرأة ظلت خادمة في كلتا الحالتين! لقد دفعت المرأة حريتها ثمناً للفكرة السائدة في كل مجتمع على حدة، فعندما تتطلب الفكرة السائدة انتاج أفراد صالحين، فإن مصير المرأة هو الإقامة الجبرية بين جدران البيت، وعندما تستلزم الفكرة السائدة انتاج جنود أكفاء، فإن مصير المرأة هو أن تتحول إلى آلة تفريخ دون كلل أو ملل! إذا كان الجهل سبباً في قهر المرأة منذ فجر التاريخ، فإن العقل فشل في إنقاذ المرأة وصون كرامتها، وإذا كانت المرأة مذلة ومهانة في المجتمعات البدائية، فإن ذل المرأة وإهانتها استمرا حتى مع بزوغ فجر أعظم حضارة عرفها التاريخ القديم!
عندما يقرأ مواطن ألماني كتاباً حول فظائع الجيش الألماني إبّان الحرب العالمية الثانية، فإنّه يشعر عادة بشيء من الخزي والعار من أفعال لم يرتكبها، لكنه يعتقد مع ذلك بأنه مسؤول عن تلك الجرائم لمجرد انتمائه إلى الأمة الألمانية! هذا بالضبط ما ينبغي أن يشعر به كل رجل منصف بينما يلقي نظرة سريعة على تاريخ المرأة!
كي نجيب عن هذا السؤال بطريقة شافية، سنلقي نظرة سريعة على وضع المرأة في الحضارة الإغريقية القديمة، وهي حضارة اشتهرت بأنها مهد الفلسفة ونصيرة العقل ومنبع الديموقراطية، وسنرى ما إذا كان غياب الجهل كفيلاً برفع الظلم عن المرأة.
هناك نموذجان لصورة المرأة في الحضارة الإغريقية، الأول يرتبط بمدينة «أثينا»، والثاني يتعلق بمدينة «سبارتا»، والمدينتان هما أشهر المدن الإغريقية في القرون الأولى قبل المسيح. لو نظرنا إلى «أثينا»، مثلاً، نجد أن نظام الحكم فيها ديموقراطي خاضع لإرادة الأغلبية، لكن الأغلبية لم تكن في حقيقة الأمر سوى أقلية في المجتمع الأثيني، فحق التصويت اقتصر على الذكور الأحرار البالغين، أي أنه استثنى من حق التصويت النساء والعبيد والأطفال. في ظل حكم ديموقراطي لا يحترم مفهوم الفردية ولا يعترف إلا بإرادة الأغلبية، كما هو الوضع في أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد، أصبح الرجل في خدمة الدولة، والمرأة في خدمة الرجل، ذلك أن أهم واجبات المرأة الأثينية هو إنجاب مواطنين صالحين قادرين على خدمة الدولة!
لم يقتصر الأمر على سلب المرأة حقها في التصويت، بل تم حرمانها من حق التعليم، لأن خصوبة العقل من حق الرجل، وخصوبة الجسد من حق المرأة، فالرجل يلد الأفكار، والمرأة تلد الأطفال! (انظر «سيمبوسيوم»، ضمن حوارات أفلاطون). مهام المرأة، إذن، تنحصر في البقاء في البيت والمحافظة على شؤون الأسرة والإنجاب، ذلك أن «الحرب والسياسة والشأن العام من اختصاص الرجل»، وأما «المرأة الحرة فينبغي حبسها داخل أسوار البيت»، لأن من واجباتها «الحفاظ على الأسرة وتلبية رغبات زوجها»، كما يقول «ميناندروس»، أحد أشهر كتّاب الكوميديا الجديدة في المسرح الإغريقي. لقد حبس رجال أثينا نساءهم في البيوت بعيداً عن الأنظار، واستنكفوا من مشاطرتهنّ مائدة الطعام، وأجبروهنّ على ارتداء لباس يغطي أجسادهن كليّا عند الخروج إلى الشارع في حالات الضرورة!
بشكل عام، يرجع السبب في انعدام ثقة الرجل في المرأة إلى حقيقة أن الرجل لا يجد في المرأة سوى موضوعاً للشهوة، ذلك أنه من المستحيل أن يثق الرجل في امرأة لا يرى فيها سوى مصدر للذة (لاحظ أن الشك واللذة يدوران حول فلك الجنس تحديداً). لهذا السبب، لم تكن المرأة أهلاً للثقة في عيون رجال أثينا، لأنهم لم يروا فيها كائنا مستقلا بذاته، بل حيواناً مغرياً لا يقاوَم! لتفادي خطر هذا الحيوان المثير للغرائز، سنّت الدولة في أثينا قوانين صارمة تضمن الفصل بين الجنسين فصلاً تاماً، فليس هناك أخطر من هذا الكائن الغريب الذي يثير اللذة والشك معاً! لقد تمت مع الأسف معاقبة المرأة بدلاً من معالجة القلوب المريضة والنفوس الوضيعة والعقول العقيمة!
إذا كان دور المرأة في أثينا يقتصر على إنجاب مواطنين صالحين، فإن مهمة المرأة في مدينة سبارتا تنحصر في إنجاب جنود أكفاء يذودون عن حياض الوطن. لم يفرّق أهل سبارتا بين الرجل والمرأة، فكلاهما في خدمة الدولة، وبينما اقتصرت مؤسسة الزواج على إنجاب الأطفال، فإن رعاية هؤلاء الأطفال وتربيتهم كانت من اختصاص الدولة، ولم يعرف التاريخ القديم دولة اهتمت بالتربية البدنية الشاقة أكثر من دولة سبارتا. عندما نقرأ كتاب الجمهورية لأفلاطون ونتعرف على آرائه الصارمة حول كيفية تربية الأطفال، فإننا نتلمس أثر الفلسفة التربوية لأهل سبارتا على أفكار أفلاطون. أما أرسطو فلم يختلف عن أهل سبارتا من خلال إصراره على ضرورة الزواج، بل إنه حدد العمر الأنسب للزواج لدى الرجال بسن السابعة والثلاثين، ولدى النساء سن الثامنة عشرة (انظر «السياسة» لأرسطو، الكتاب السابع، الفصل السادس عشر). لم يكن الزواج شأناً خاصاً بين الرجل والمرأة، بل شأنا عاماً بين المواطن والدولة! لقد سخّر أهل سبارتا قوانين الدولة لضمان تأمين أكبر عدد من الجنود الأقوياء، ولبلوغ هذا الهدف، تحولت المرأة إلى آلة تفريخ تنجب الأبطال الشجعان، وأصبحت أعظم بشرى في حياة أي أم في مدينة سبارتا هي نبأ استشهاد أحد أبنائها في ساحة المعركة!
قدمت إلى القارئ نموذجين لصورة المرأة في الحضارة الإغريقية القديمة: النموذج الأول جعل المرأة في خدمة الرجل، والنموذج الثاني جعلها في خدمة الدولة، أي أن المرأة ظلت خادمة في كلتا الحالتين! لقد دفعت المرأة حريتها ثمناً للفكرة السائدة في كل مجتمع على حدة، فعندما تتطلب الفكرة السائدة انتاج أفراد صالحين، فإن مصير المرأة هو الإقامة الجبرية بين جدران البيت، وعندما تستلزم الفكرة السائدة انتاج جنود أكفاء، فإن مصير المرأة هو أن تتحول إلى آلة تفريخ دون كلل أو ملل! إذا كان الجهل سبباً في قهر المرأة منذ فجر التاريخ، فإن العقل فشل في إنقاذ المرأة وصون كرامتها، وإذا كانت المرأة مذلة ومهانة في المجتمعات البدائية، فإن ذل المرأة وإهانتها استمرا حتى مع بزوغ فجر أعظم حضارة عرفها التاريخ القديم!
عندما يقرأ مواطن ألماني كتاباً حول فظائع الجيش الألماني إبّان الحرب العالمية الثانية، فإنّه يشعر عادة بشيء من الخزي والعار من أفعال لم يرتكبها، لكنه يعتقد مع ذلك بأنه مسؤول عن تلك الجرائم لمجرد انتمائه إلى الأمة الألمانية! هذا بالضبط ما ينبغي أن يشعر به كل رجل منصف بينما يلقي نظرة سريعة على تاريخ المرأة!